فشل الغرب وتشكيل عالم متعدد الأقطاب- روسيا تتحدى الهيمنة

المؤلف: أسامة يماني09.25.2025
فشل الغرب وتشكيل عالم متعدد الأقطاب- روسيا تتحدى الهيمنة

أضحى جلياً أن الغرب بدأ يستشعر وطأة صعوبة تحقيق نصر قاطع على روسيا في غمار الحرب الأوكرانية، بعدما تجلت قدرة موسكو على الصمود والثبات رغم وطأة الحرب الاقتصادية الشاملة التي تشن عليها. فالعقوبات الغربية، على الرغم من تأثيرها السلبي على الاقتصاد الروسي، قد أخفقت في بلوغ هدفها الجوهري المتمثل في إضعاف قدرات روسيا وشل حركتها أو إرغامها على التراجع والانكفاء. بل على النقيض من ذلك، فقد نجحت روسيا ببراعة في تعويض تلك الخسائر من خلال إرساء دعائم شراكات اقتصادية جديدة مع قوى صاعدة واعدة على غرار الصين والهند ودول الجنوب العالمي الواسع.

لقد دفعت أوروبا ثمناً باهظاً ومكلفاً للحرب الاقتصادية التي شنتها على روسيا، إذ تسببت أزمة الطاقة المتفاقمة في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع النمو الصناعي بشكل ملحوظ، في حين جنّت الولايات المتحدة أرباحاً طائلة من تصدير الطاقة البديلة وتعزيز موقعها الجيوسياسي على الساحة الدولية. وعلى الصعيد النقدي، فقد عززت العقوبات مكانة الدولار بشكل مؤقت وعابر، بيد أنها أيضاً عجلت بوتيرة توجه العديد من الدول نحو البحث الدؤوب عن بدائل مبتكرة لنظام المدفوعات الدولاري، الأمر الذي يهدد الهيمنة المالية الأمريكية على المدى البعيد والمستقبل المنظور.

إن الحرب الإعلامية الشرسة التي يشنها الغرب تهدف إلى محاولات حثيثة لطمس الحقائق وتشويهها. فالغرب يستميت في تصوير الاقتصاد الروسي على أنه في طريقه الحتمي نحو العزلة والانزواء والانهيار التام، وذلك في محاولة يائسة ترمي إلى:

1. إخفاء الإخفاق الذريع للعقوبات في تحقيق الأهداف المنشودة والمرجوة منها.

2. تثبيط عزيمة وإرادة الدول الأخرى عن محاكاة النموذج الروسي الفريد في مقاومة الضغوط الغربية المتزايدة.

3. الحفاظ على وهم الهيمنة الغربية الأحادية الزائفة.

لكن الوقائع الملموسة تشير بوضوح إلى عكس ذلك تماماً، فروسيا لم تنعزل قط، بل أعادت صياغة وتشكيل تحالفاتها الاقتصادية بنجاح منقطع النظير، مما يبشر ببروز نظام اقتصادي عالمي أكثر تعددية وانفتاحاً.

التكتيك الذي تنتهجه وتتبعه الدول الغربية متقلب ومتأرجح بين التشدد والتراخي والمرونة، لأن الغرب لا يرغب في إظهار ضعف موحد وجماعي أمام روسيا، ولهذا السبب يظهر أحياناً تباين واختلاف في الخطاب (لكنه لا يرقى إلى حد التناقض الاستراتيجي الجوهري).

وتتبع واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون استراتيجية مرنة حيال موسكو، تختلف وتتغير باختلاف موازين القوى الميدانية على أرض الواقع:

- في أوقات التقدم الروسي الملحوظ، تظهر الانقسامات الأوروبية الداخلية الكامنة، مع ميل بعض العواصم الكبرى (مثل برلين وباريس) لتبني خيارات تفاوضية وبناءة.

- عند تراجع القوات الروسية، تتصاعد الضغوط الموحدة لاستغلال هذا الضعف الظاهر. لكن القيادة الأمريكية تبقى المحرك الأساسي والرئيسي لهذه السياسة، في حين تتفاوت المواقف الأوروبية تبعاً للمصالح الوطنية الخاصة بكل دولة على حدة.

المستقبل القريب ينحو بشدة نحو نظام عالمي جديد ومتكامل، حيث تشير التطورات الأخيرة إلى أن الغرب بدأ يدرك تماماً محدودية الخيارات المتاحة أمامه تجاه روسيا، الأمر الذي قد يدفع نحو تسويات سياسية مقبولة من الطرفين، وإعادة تعريف العلاقات الاقتصادية الدولية على أسس جديدة، وتآكل تدريجي للنظام المالي الغربي الأحادي الجانب.

لم تعد المعادلة ببساطة مجرد «انتصار أو هزيمة»، بل تحولت إلى صراع إرادات عنيد يعيد تشكيل النظام العالمي برمته، حيث تثبت روسيا أنها لاعب صعب المراس وقادر على التكيف ببراعة مع التحديات الجسام، بينما يواجه الغرب مفارقة معقدة وعصيبة: الاستمرار في سياسات ثبت فشلها الذريع، أو الاعتراف الصريح ببروز عالم متعدد الأقطاب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة